علاقة القاعدة بإيران تعليق على وثيقة استخباراتية

 

 

كلمة  ع الماشي

 

علاقة القاعدة بإيران

 

تعليقي على وثيقة للمخابرات الأمريكية

 

د.هاني السباعي

 

أفرجت أمس 1 نوفمبر 2017 وكالة الاستخبارات الأمريكية عن وثائق متعلقة بتنظيم القاعدة، وكان ضمن هذه الوثائق؛ الوثيقة التي سأقوم بالتعليق عليها على النحو التالي:

 

أولاً: الوثيقة عبارة عن رسالة من 19 صفحة تاريخ كتابتها في شهرالمحرم 1428هـ الموافق 2007 أي قبل 11عاما حسب التقويم الهجري. أي أن الملا عمر والشيخ أسامة (تتقبلهما الله) وعدداً كبيراً من قادة القاعدة كانوا لايزالون أحياء. بالإضافة إلى أن الوثيقة كانت قبل ثورات الربيع العربي، فما حدث من تغيرات في سوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس، كل هذه الأحداث بعد عام 2011.

 

ثانياً: الوثيقة منشورة بدون اسم أو لقب أو كنية؛ لكن من خلال سرد بعض الوقائع في موضوع الوثيقة قد يكون صاحب الرسالة قياديا جزائرياً أو ليبيا كان يقيم في الجزائر.  

 

ثالثاً: لمن كتبت هذه الرسالة؟: كتبت لأحد المشايخ بالجزيرة بأرض الحرمين لتوضيح علاقة القاعدة مع إيران.

 

رابعا: الغرض من الوثيقة تبيين موقف تنظيم القاعدة والمجاهدين العرب من النظام الإيراني، وأنها كتبت للدفاع عن سمعة من لجأ إلى إيران. كاتب الرسالة يدافع عن بعض القيادات والأعضاء من تنظيم القاعدة  والمجاهدين العرب الذين انسحبوا لإيران بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان. فالعلاقة بين القاعدة وإيران كانت علاقة اضطرار.

 

خامساً: الصدمة والترويع والتشتيت الذهني:

أوضح كاتب الرسالة أن القاعدة تلقت صدمة كبيرة ووقعت في ارتباك وتشتيت! حيث لم تكن القاعدة تتوقع ردة فعل أمريكا عقب الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأن القاعدة كانت تتصور أن أمريكا قد تضرب أفغانستان بعدة صواريخ كما فعلت من قبل عام 1998 (يشير إلى عمليتي نيروبي ودار السلام، ورد فعل أمريكا حيث أمر كلينتون بتدمير مصنع الشفا للأدوية بالسودان، وبعض المعسكرات في أفغانستان بصواريخ كروز)، أو ستدعم أمريكا جبهة الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود! ولن تجرؤ أمريكا على غزو أفغانستان!! وستخاف وستؤثر السلامة وتطلب المهادنة مع المجاهدين وينتهي الأمر!!. ويستدرك كاتب الرسالة من أنه لم يعرف ما كان يدور في ذهن الشيخ أسامة وتصوره لردة فعل أمريكا بالضيط لأنه لم يلتق به منذ 11 سبتمبر 2001 وحتى الذين التقوا بالشيخ أسامة سألهم فقالوا له لم يكن الشيخ يتحدث في هذا الأمر.

 

سادساً: ذكر كاتب الرسالة أنه كان موجوداً في قندهار ليلة أصدر الملا محمد عمر (رحمه الله) قرار الانسحاب وتسليم قندهار لمجلس القبائل فانسحبوا لخوست وجرديز، ثم تناقش المجاهدون العرب والقاعدة حول الاختيارات المفضلة؛ إما إلى باكستان أو البقاء حتى الموت في أفغانستان فمعظمهم وعوائلهم انسحبوا لباكستان وظلت قلة منهم في أفغانستان.

 

سابعاً: مقترح التواصل مع حزب الله أو النظام العراق التي تم رفضه:

ذكر كاتب الرسالة أنه نتيجة الضربات الأمريكية المروعة جواً والقوات الأفغانية الموالية للغزو الأمريكي براً؛ تناقشوا في خوست حول إمكانية اللجوء لإيران؛ فاقترح أحدهم اللجوء لإيران عن طريق التواصل مع مندوب لحزب الله بإيران. واقترح آخر وهو الشيخ أبو مصعب السوري (فك الله أسره) اللجوء للنظام العراقي إبان حكم صدام لأنه يعرف بعض القيادات القديمة في النظام العراقي عندما كان لاجئاً في العراق بعد مذبحة خماة عام 1982 فتم رفض الخيارين سواء الاتصال بحزب الله أو الاتصال بالنظام العراقي وكان القرار هو الانسحاب لباكستان.

 

ثامناً: اللجوء لإيران: شرح كاتب الرسالة أن المجاهدين العرب اضطر عدد كبير منهم للانسحاب لإيران بسبب الحملات الأمنية للجيش الباكستاني والقبض على عشرات المجاهدين في باكستان.   

 

تاسعاً: معاملة إيران للقاعدة والمجاهدين العرب: ذكر كاتب الرسالة أن الأمن الإيراني عاملهم معاملة حسنة، وكانوا يعتبرونهم أبطالاً ضربوا أمريكا، واشترطت المخابرات الإيرانية على من يمثلهم في تلك المرحلة للفوج الأول الذي انسحب لإيران وهو الشيخ "أبو حفص الموريتاني" ألا يستخدموا الهواتف لأن أمريكا تراقب الاتصالات، وألا يتحركوا جماعات في الشوارع والأماكن التي يسكنون فيها؛ لكن لم يلتزم الشباب خاصة صغار السن بهذه الشروط مما اضطر الأمن الإيراني إلى شن حملات اعتقال لهم، وأمرهم الإيرانيون بالرحيل إلى أي بلد يرونها والذي عجز أو رفض ظل في الحبس أو الإقامة الجبرية.

 

عاشراً: طبيعة العلاقة بين إيران وأمريكا:

ذكر صاحب الرسالة طبيعة العلاقة بين أمريكا وإيران وأنها علاقة عدائية حقيقية وليست صورية لكنها نفعية براجماتية.

 

أقول: هذا التصور مفهوم حتى مرحلة غزو العراق؛ لكن العلاقة بين إيران وأمريكا تغيرت إلى حد كبير رغم العداوة الظاهرة بينهما؛ فأمريكا هي التي مكنت إيران من السيطرة على العراق، ومكنتها من اليمن، وغضت الطرف عنها في البحرين، وأطلقت لها العنان في سوريا ولبنان! فأمريكا راجعت حساباتها مع إيران؛ فوجدت أن إيران أنفع لها من دول الخليج التي هي عالة على أمريكا والغرب! أمريكا تعي جيداً أن معظم الشعوب الإسلامية سنية، علاقتها مع إيران علاقة تضاد! لذلك تستخدم إيران فزاعة بغية تخويف المحميات الخليجية وابتزازها مادياً واحتلابها نفطياً. أمريكا تستخدم إيران لتمزيق العالم الإسلامي، والسيطرة على مقدراته وثرواته، والتحكم في معتقداته، بغية تقليل الخسائر المالية والبشرية الأمريكية ومن ثم لا تلجأ للتدخل العسكري المباشر إلا للضرورة القصوى كما حث في أفغانستان والعراق، لا يتم تنفيذ المخططات الأمريكية إلا عن طريق إيران والمحميات النفطية الخليجية، وحكام بلاد المسلمين الذين هم الممر الآمن لأمريكا، والحارس الأمين للمصالح الأمريكية والغربية.

 

حادي عشر: أما كيف ينظر قادة القاعدة إلى إيران وأمريكا؛ فقد ذكر كاتب الرسالة أن القاعدة والمجاهدين يعتبرون إيران الرافضية عدواً مستقبلياً، ويعتبرون أمريكا عدوا حالياً، فأمريكا وإيران لايريدان بأهل السنة خيراً. أمريكا وإيران يتعاملان ببراجماتية نفعية مصلحية رغم وجود عداوة ظاهرة سواء كانت حقيقية أو صورية. لكن المتفق عليه بين أمريكا وإيران أنهما يبغضان أهل السنة.

 

ثاني عشر: هل عرضت إيران على القاعدة ضرب أمريكا؟

وذكر صاحب الرسالة أن المخابرات الإيرانية عرضت على شباب صغار عاديين خاصة من السعودية ذهبوا للجهاد ولم يرتبطوا بالقاعدة فكرة التدريب في معسكرات لحزب الله، ودعمهم بالمال والسلاح على شن عمليات ضد مصالح أمريكا في السعودية والخليج؛ لكن هؤلاء الشباب رفضوا. كما عرضوا على جماعة من الأوزبك بالدعم المالي والسلاح والإقامة في إيران مقابل ضرب المصالح الأمريكية في أوزبكستان حسب ماذكر كاتب الرسالة. فإيران مستعدة للتعاون مع أي شخص يريد ضرب المصالح الأمريكية فلايهم إيران اختلاف الدين أو المذهب. كما أن أمريكا مستعدة كذلك للتعاون مع أي شخص أو أي جماعة تضرب المصالح الإيرانية كما حدث مع جماعة من البلوش بشرط ألا يكون لأمريكا أو إيران أية علاقة مباشرة في مثل هذه العمليات حسب ما ذكر كاتب الرسالة.   

 

ثالث عشر: تغير موقف إيران بعد غزو العراق:

لقد تغير موقف الحكومة الإيرانية من تسفير المجاهدين العرب، ومن اعتقلتهم من القاعدة بعد احتلال العراق عام 2003 وزوال نظام صدام، وعمليات المقاومة وظهور الزرقاوي (تقبله الله)، والقاعدة على الساحة العراقية، فأوقفت إيران إطلاق سراح من بقي من القاعدة واحتفظت بهم في السجن كورقة مساومة!.

 

رابع عشر: لماذا لم تقم القاعدة بعمليات مسلحة ضد إيران؟:

 

برر كاتب الرسالة بأن السبب في عدم قيام القاعدة بعمليات مسلحة في إيران لما تمثله إيران من ممر ومعبر للمجاهدين في أفغانستان، وساحة دعم وحركة "لوجستيك"، وبسبب وجود أسرى لهم في السجون الإيرانية وهذا ما لاحظه كاتب الرسالة أن الشيخ أسامة كان لا يتكلم عن إيران والرافضة حفاظاً على الأسرى بالسجون الإيرانية. فالقاعدة كانت تتعامل مع إيران بالطرق الديبلوماسية في صفقات تبادل الأسرى بين القاعدة وإيران سواء في اليمن أو أفغانستان، لكن موقف القاعدة من الرافضة في العراق يختلف عنه في إيران؛ لذلك كان قادة القاعدة حسب ما ورد في الوثيقة؛ يرون أن كل ساحة لها ظروفها ومعطياتها التي تستوجب أحكاماً وسياسات مناسبة مما يندرج في السياسة الشرعية.  

 

خامس عشر: ختم كاتب الرسالة بمعتقد القاعدة في إيران وهو معتقد أهل السنة في الشيعة؛ فالقاعدة ترى أن أئمة الرافضة زنادقة كفار، وأن كفرهم كفر ردة، والبعض من القاعدة له اختيار أن كفرهم كفر أصلي، وأما عوامهم فهم مسلمون من أهل القبلة على ما فيهم من ضلال لأنهم نشأوا على هذا الضلال الذي لايعرفون غيره، وبسبب الجهل والتلبيس؛ لايحكمون على عوامهم بالكفر إلا من تبين كفره بعينه حسب ما ذكر كاتب الرسالة. بالطبع هذه مسألة تحتاج لتفصيل مستفيض وليس مقامها في هذا التعليق.

 

ينبغي على من يعلق بالتحليل على هذه الرسالة، ويريد أن يسقطها على الواقع الحالي في إيران والعراق وأفغانستان وأرض الحرمين واليمن والشام ومصر ليبيا وغيرها، والمتغيرات التي حديث بعد كتابة هذه الرسالة؛ أن يأخذ بعين الاعتبار ما ذكرته في صدر هذا التعليق أن هذه الرسالة قديمة مر عليها 11 عاماً.

 

 صفوة القول:

 

كاتب الوثيقة برّأ القاعدة والمجاهين العرب من الموافقة على اقتراح التواصل مع منوب حزب الله في إيران، ورفضهم القاطع التواصل مع النظام العراقي إبان حكم صدام حسين.

 

كما برّأ كاتب الرسالة قادة القاعدة من الاتفاق مع إيران في ضرب المصالح الأمريكية لصالح إيران، وأن القاعدة والمجاهدين العرب والشباب الذين تصادف وجودهم في أفغانستان وانسحابهم لإيران التي تختلف عنهم عقدياً ومذهبياً كان من باب الاضطرار.

 

كما برّأ كاتب الرسالة موافقة بعض الشباب العاديين خاصة من السعودية من الموافقة على ضرب المصالح الأمريكية بالسعودية، والخليج لصالح إيران. وأوضح كاتب الرسالة سبب عدم استهداف القاعدة المصالح الإيرانية بعمليات عسكرية وبرر ذلك بوجود الأسرى في السجون الإيرانية  والاستفادة من الأراضي الإيرانية كممر ومعبر للدخول والخروح من وإلى أفغانستان.

 

ينبغي على من يعلق بالتحليل على هذه الرسالة، ويريد أن يسقطها على الواقع الحالي في إيران والعراق وأفغانستان وأرض الحرمين واليمن والشام ومصر ليبيا وغيرها، والمتغيرات التي حدثت بعد كتابة هذه الرسالة؛ أن يأخذ بعين الاعتبار ما ذكرته في صدر هذا التعليق أن هذه الرسالة قديمة مر عليها 11 عاماً.

 

هذا ما حضرني من تعليق على الوثيقة وبالله التوفيق

د.هاني السباعي

13 صفر 1439هـ الموافق 2 نوفمبر 2017